فصل: كلام من كلام الزهّاد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***


كلام من كلام الزهّاد

بين عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ورجل حدثنا حسين بن حسن المروزيّ قال‏:‏ حدٌ ثنا عبد اللّه بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عبدالله بن عبد العزيز قال‏:‏ قال عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية لرجل‏:‏ يا فلانُ، هل أنت على حالٍ أنت فيها مستعد للموت‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل أنت مُجمع على التحول إلى حال ترضى بها‏؟‏ قال‏:‏ ما شَخَصتْ نفسي لذلك‏.‏ قال‏:‏ فهل بعد الموت دار فيها مُسْتعتَبٌ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل تأمن الموت أن يأتيَك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فهل رضيَ بمثل هذا الحال عاقل‏!‏ لأبي الدرداء حدثنا حسين قال‏:‏ حدّثنا عبد اللّه بن مبارك قال‏:‏ حدثني غير واحد عن مُعاوية بن قُرة قال‏:‏ قال أبو الدرداء‏:‏ أضحكني ثلاثٌ وأبكاني ثلاث‏:‏ أضحكني مؤمل الدنيا والموتُ يطلبه، وغافلٌ وليس بمغفول عنه، وضاحكٌ ملءَ فيه ولا يدرِي أراض الله عنه أم ساخطٌ عليه‏.‏ وأبكاني فِراق الأحبة‏:‏ محمدَ وحِزْبه، وهَوْلُ المُطلَع، والوقوفُ بين يدي الله يوم تبدو السرائر، ثم لاأدري إلى الجنة أو إلى النار‏.‏

لعبد اللّه بن ثعلبة الحنفي كان عبد الله بن ثعلبة الحنفيّ يقول‏:‏ تضحَكُ ولعل أكفانَك قد خرجتْ من القَصار‏.‏

للفضيل بن عياض، وللسري قال‏:‏ وقال الفُضَيل‏:‏ أصلُ الزهد الرضا عن الله وقال‏:‏ ألا تراه كيف يَزْوِيها عنه ويُمَرْمِرُها عليه بالعُرْي مرَةً وبالجُوع مرة وبالحاجة مرة، كما تصنع الوالدةُ الشفيقةُ بولدها‏:‏ تسقيه مرّةً صَبِرًا ومرة حُضَضًا، وإنما تريد بذلك ما هو خير له‏.‏

وقال السريّ‏:‏ ليس من أعلام الحبّ أن تحب ما يُبْغضه حبيبُك‏.‏ أوحى اللّه تعالى إلى بعض الأنبياء‏:‏ أما زهدُك في الدنيا فتَعجلك الراحةَ لنفسك، وأما انقطاعُك إليّ فتعززك بي، ولكن هل عاديتَ لي عدوًّا أو واليتَ لي وليًّا‏.‏

لمالك بن دينار عن حبر من أحبار بني إسرائيل قال مالك بن دينار‏:‏ بلغنَا أن حِبْرًا من أحبار بني إسرائيل كان يغشاه الرجال والنساء، فغَمَز بعضُ بنيه النساء فرآهم فقال‏:‏ مَهْلًا يا بنيّ مهلًا‏!‏ قال‏:‏ فسَقَط عن سريره فانقطع نُخَاعه وأسقطت امرأتُه وقُتِل بنوه في الجيوش‏.‏ وقيل له‏:‏ ما يكونُ من جنسك حبر أبدًا، ما كان غضبُك لي إلا أن قلتَ يا بنيْ مَهْلًا يا بنيّ مهلًا‏.‏

لإبراهيم بن أدهم، ولابن الحارث وغيرهما ضَمْرة بن ربيعة قال‏:‏ سمعت إبراهيم بن أدهم يقول‏:‏ إرضَ بالله صاحبًا ودعَ الناس جانبًا‏.‏

كان بِشْر بن الحارث يقول‏:‏ أربعة رفعهم الله بغير كبيرِ عملٍ في الظاهر إلا بِطِيب المَطْعم‏:‏ إبراهيم بن أدهم، وسالمٍ الخواص، ووُهَيْب المكَي، ويوسف بن أسباط‏.‏

وحدثني أبو حاتم أو غيره عن العُتْبي قال‏:‏ سمعت ابن عُيَينة يقول‏:‏ أربع ليس عليك في واحدةٍ منهنّ حسابٌ‏:‏ سَدُ الجَوْعة، وبَرْدُ العَطْشة، وستر العورة، والاستكنان؛ ثم تلا‏:‏ ‏"‏إنّ لَكَ ألَّا تَجُوعَ فِيِهَا وَلَا تَعْرَى وَأنك لاَ تَظْمَأ فِيهَا وَلَا تَضْحَى‏"‏‏.‏

بلغني عن يَعْلى عن سُفْيان‏:‏ قال علي عليه السلام لرجل‏:‏ كيف أنتم‏؟‏ قال‏:‏ نرجو ونخاف؛ قال‏:‏ من رجا شيئًا طلبه، ومن خاف من شيء هَرَب منه، ما أعري ما خوفُ رجل عَرَضت له فلم يَدَعْها لما يخاف‏!‏ وما أعري ما رجاءُ رجل نزل به بلاءٌ فلم يصبر عليه لما يرجو‏.‏

بلغني عن عيسى بن يونس عن الأوزاعيّ عن مكحول قال‏:‏ إن كان الفضلُ في الجماعة فإن السلامةَ في العزلة‏.‏ وبلغ الفُضَيلَ هذا فقال‏:‏ سمعتم كلامًا أحسن منه‏!‏ بين ابن المبارك ومحمد بن النضر الحارثي قال ابن المبارك‏:‏ رَكِبتُ مع محمد بن النَّضْر الحارثيّ السفينةَ فقلتُ‏:‏ بأي شيء أستخرج منه الكلام‏؟‏ فقلت‏:‏ ما تقول في الصوم في السفر‏؟‏ فقال‏:‏ إنما هي المبادَرة، فجاءني والله بفتوى غير فتوى إبراهيم والشَعبي‏.‏

لأي حازم الزاهد حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعي قال‏:‏ قيل لأبي حازم‏:‏ ما مالُك‏.‏ فقال‏:‏ الثقة بما في يد الله واليأسُ مما في أيدي الناس‏.‏

وقال أبو حازم‏:‏ إنه ليس شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهلٌ قبلكم، فآثِرْ نفسك أيها المرء بالنصيحة على ولدك، واعلم أنك إنما تُخلف مالك في يد أحد رجلين‏:‏ عامل فيه بمعصية الله فتشقَى بما جمعتَ له، وعامل فيه بطاعة الله فتسعَدَ بما شَقِيتَ له؛ فارجُ لمن قدمتَ منهم رحمة اللّه، وثقْ لمن خَلفتَ منهم برزق الله‏.‏

وقال أبو حازم‏:‏ إن كنت إنما تريد من الدنيا ما يَكفيك ففي أدناها ما يكفيك، وإن كنت لا ترضَى منها بما يكفيك فليس فيها شيء يُغنيك‏.‏

ونظر أبو حازم إلى الفاكهة في السوق فقال‏:‏ موعدُك الجنة‏.‏

ومرّ بالجزارين فقال له رجل منهم‏:‏ يا أبا حازم، هذا سمينٌ فاشتر منه؛ قال‏:‏ ليس عندي ثمنه؛ قال‏:‏ أنا أنظرُك؛ ففكر ساعة ثم قال‏:‏ أنا أنظرُ نفسي‏.‏

قال سُفيان‏:‏ حَلَف أبو حازم لجلسائه‏:‏ إني لأرضى أن يتقي أحدُكم على دِينهَ كما يتقي على نَعْله‏.‏

للنيي صلى الله عليه وسلم حدثني محمد بن زياد الزيادي قال‏:‏ حدثنا عيسى بن يونس عن عبدالله بن سعيد ابن أبي هند عن أبيه عن ابن عبّاس قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الصحّةُ والفَرَاغُ نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس‏"‏‏.‏

للحسن حدّثني محمد بن عبيد قال‏:‏ حدّثنا أبو ربيعة فَهْد بن عَوْن عن حمّاد بن سلَمة عن يعقوب قال‏:‏ سمعتُ الحسن يقول‏:‏ ابن آدم، إنما أنت عدَدٌ، فإذا مضى يوم فقد مضى بعضُك‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم وروى عبد الله بن بكر بن حبيب السَّهمي عن الحسن بن ذَكْوان رَفَعَ الحديثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏أوصاني ربّي بتسع خِصالٍ وإني مُوصِيكم بها‏:‏ بالإخلاص في السرّ والعَلَانية، والعَذْل في الرضا والغَضَب، والقَصْد في الفقر والغنَى، وأن أعفوَ عمّن ظَلَمني، وأصِلَ مَنْ قطعني، واعطي مَنْ حَرَمني، وأن يكون صَمْتي تَفَكُّرًا، ومَنْطِقي ذِكْرًا، ونَظَري عبرًا‏.‏

لابن عمر مسلم بن إبراهيم عن حمّاد بن سَلَمة عن حُمَيد قال‏:‏ كان ابن عمر يقول‏:‏ البِر شيء هَيِّن‏:‏ وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليّن‏.‏

لمالك جعفر بن سليمان قال‏:‏ سمعت مالكًا يقول‏:‏ اتّقُوا السّحّارة، فإنها تسحَرُ قلوبَ العلماء‏.‏

قال‏:‏ وسمعته يقول‏:‏ وَعِدتُ أنّ رزقي في حَصَاة أمصّها حتى أموت، ولقد اختلفتُ إلى الخَلاَء حتى استحيَيْتُ من ربي‏.‏

لأسد بن موسى في الجوع بِشْر بن مُصلِح عن أبي سعيد المصيصي عن أسد بن موسى قال‏:‏ في الجوعُ ثلاثَ خلال‏:‏ حياةُ القلب، ومَذلَة النفس، وُيورث العقلَ الدقيق السماوي‏.‏

في سلوك الحسن إذا عاد مريضًا أو شيع جنازة سالم بن سالم البَلخيّ عن السريّ بن يحيى قال‏:‏ كان الحسن إذا عاد مريضًا لم ننتفع به يومًا وليلة، وإذا شيع جنازةً لم ينتفع به أهلُه ووَلده وإخوانُه ثلاثًا‏.‏

بين إبراهيم بن أدهم ورجل

خَلَف بن تميم قال‏:‏ قال رجل لإبراهيم بن أدهم‏:‏ يا أبا إسحاق، احبّ أن تقبَلَ مني هذه الجُبّة كُسوةً‏.‏ قال إبراهيم‏:‏ إن كنتَ غنيًّا قَبِلتُها منك، وإن كنتَ فقيرًا لم أقبَلْها‏.‏ قابل‏:‏ فإني غني؛ قال‏:‏ كم عندك‏؟‏ قال‏:‏ ألفان‏.‏ قال‏:‏ فيَسُرُّك أن تكون أربعة آلاف‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ أنت فقير؛ لا أقبَلها‏.‏

للفُضَيْل في مرضه قال عًبَيد اللّه بن عمر‏:‏ دخلت أنا ويحيى بن سليمان على الفُضَيل نعودُه؛ فقال‏:‏ زَوجك وخوّلك وصَرَف وجوهَ الناس إليك وأنت تشغلك عنه مَنْ أنت وما أنت‏!‏ ثم شَهَق شَهقةً، وأضجعه رجل كان عنده وغَطّى عليه ثوبًا وهو لا يعقل، ونزلنا‏.‏

لأبي حازم بكار بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدالله بن مسلم قال‏:‏ قال أبو حازم‏:‏ السّرُ أملكُ بالعَلَانِيَة من العَلاَنية بالسر، والفعلُ أملكُ بالقول من القول بالفعل، فإذا كنتَ في زمانٍ يُرْضَى فيه من الفعل بالقول ومن العمل بالعلم، فأنت في شرَ زمان وشرّ أناس‏.‏

بين ابن أبي الحواري وأبي سليمان الداراني ابن أبي الحواري قال‏:‏ ذكرتُ لأبي سليمان امرأتي والشغلَ بها، فقال‏:‏ إنْ علم الله قلبك أنك تُريد الفراغَ له فرّغك، وإن كنت إنما تريد الراحة منها لتستبدل بها، فهذه حماقة قال‏:‏ ورأيته حين أراد الإحرام فلم يلبث حتى سِرْنا مليًا وأخفه كالغَشْي وجعل رأسَهُ عند ركبتيه فجعل مَحْمِله يِخِفّ ومَحْمِلي يثقُلُ حتى سرنا هَوِيًَا، ثم أفاق فقال‏:‏ يا أحمد، بَلَغني أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى عليه السلام‏:‏ ‏"‏يا موسى مًرْ ظَلَمةَ بني إسرائيل أن يُقلوا من ذكري، أذكُر مَنْ ذَكَرني منهم بلعنة حتى يسكت‏"‏‏.‏ ويحك يا أحمد بلغني أنه من حج من غير حله ثم لبى، قال له تبارك وتعالى‏:‏ ‏(‏لا لبيكَ ولا سَعْدَيْكَ حتى تردّ ما في يديك؛ فما يؤمِّننا أن يقال لنا ذلك‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال أبوِ سليمان‏:‏ يجيببك وأنت في شيء من الخير فيُشير لك إلى شيء من الخير دونه ليَرْبح عليك شَعِيرةَ؛ يعني إبليسَ‏"‏‏.‏

للمسيح عليه السلام قال المسيح لأصحابه‏:‏ بحق أقول لكم، إن مَنْ طلب الفردوسَ فخبزُ الشعير له والنوم في المزابل مع الكلاب كثير‏.‏

لمكحول مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن حمزة عن داود بن أبي هند عن مكحول قال‏:‏ كنا أجنّةً في بطون أمهاتنا فسَقَط من سَقَط وكنا فيمن بَقِي، ثم كنا مَرَاضع فَهَلك منا من هلك وبَقِي من بقي، وكنا أيفاعًا، وذكر مثل ذلك، ثم صِرنا شبّانًا، وذكر مثل ذلك، ثم صرنا شيوخًا لا أبا لك فما ننتظر وما نريد‏!‏ وهل بَقِيت حالةٌ ننتقل إليها‏.‏

قال‏:‏ وقال مكحول‏:‏ الجنين في بطن أمّه لا يطلُب ولا يحزَن ولا يغتم، فيأتيه الله برزقه من قِبَل سُرّته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثَم لا تَحيض الحامل، فإذا سقط استهَل استهلالة إنكارًا لمكانه، وقُطِعت سُرّته وحوؤل الله رزقه إلى ثدي أمه ثم حوله إلى الشيء يُصْنع له ويَتناوله بكفّه، حتى إذا اشتدّ وعقل قال‏:‏ أين لي بالرزق‏!‏ يا ويحك‏!‏ أنت في بطن أمك وفي حِجْرها تُرْزَق حتى إذا عَقَلتَ وشَبَبت قلتَ‏:‏ هو الموت أو القتل وأين لي بالرزق‏!‏ ثم قرأ‏"‏يَعْلَمُ ما تَحْمِل كُلُّ أنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَام وَمَا تَزْدَادُ‏"‏‏.‏

لمحمد بن النضر الحارثي عبد الملك بن عبد العزيز قال‏:‏ كان محمد بن النضْر الحارثيّ إذا لم يكن في صلاة استقبل القِبْلَة، فقَعَدنا إليه بعد العصر فقال‏:‏ بلغني أنه مَنْ قال‏:‏ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، ألفَ مرةٍ في دُبُر صلاة العصر، رُفِع له عملُ نَبيٍ؛ ثم قال‏:‏ قد أكثرت الكلام‏.‏

لداود، ومثله بين هشام بن عبد الملك وسالم وقال سعيد بن عمر الكِنْدي دخل رجلٌ على دَاود وهو يأكل خبزًا يابسًا قد بلّه في الماء بمِلْح جَرِيش، فقال له‏:‏ كيف تشتهي هذا‏!‏ قال‏:‏ أدعُه حتى أشتهيه‏.‏

ونحو هذا قول هشام بن عبد الملك لسالم‏:‏ ما أدمك‏؟‏، قال‏:‏ الزيت ة قال‏:‏ أما تَأجِمه‏.‏

قال‏:‏ إذا أجَمتُه تركته حتى أشتهيه‏.‏

قال‏:‏ وكان ماء داود في دَنَ مُقير في الصيف والشتاء، فقال له بعض أصحابه‏:‏ لو بردتَ الماء فقال داود‏:‏ إذا أصبْتَ في مثل هذا اليوم ماءً باردًا فمتى تُحِبّ الموت‏!‏ لمحمد بن واسع سعيد بن عمرو عن رجل قال‏:‏ قال محمد بن واسع‏:‏ لو كان للذنوب رِيحٌ ما جلس إلي منكم اثنان‏.‏

وقال محمد بن واسع‏:‏ لا يطيبُ المَالُ إلا من أربع‏:‏ سهم في فَيْء المسلمين، أو عطيّة عن ظَهْر يدٍ، أو إرثٍ بكتاب الله، أو تجارة من حلال؛ ولا يًقْتل مسلم إلا بهذه الخِصَال‏:‏ كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قَتَل فيُقْتل، أو حارب الله ورسولَه وقَطَع الطريقَ‏.‏

لثابت البُناني قال سليمان بن المُغِيرة سمعت ثابتَاَ يقول‏:‏ واللّه لَحْملُ الكَارَات أهونً من العبادة‏.‏ قال‏:‏ ولا يُسَمَى الرجلُ عابدًا وإن كانت فيه خَصْلة من كلّ خيرٍ حتى يكون فيه الصومُ والصلاةُ، فإنهما من لحمه ودمه‏.‏

عيسى بن عقبة أبو نعيم عن الأعمش عن يزيد بن حَيان قال‏:‏ كان عيسى بن عُقْبة يسجد حتى إن العصافير ليَقَعن على ظَهْره وينزِلْن، ما يَحْسَبْنَه إلّا جِرْمَ حائط‏.‏

للفضيل وقد شكا إليه أهل مكة القحط حدثني محمد بن داود عن عبد الصمد بن يزيد قال‏:‏ شكا أهل مكة إلى الفُضَيل القَحْطَ؛ فقال‏:‏ أمدبرًا غير الله تريدون‏!‏ قال‏:‏ وسمعته يقول‏:‏ استخيروا الله و لا تَخَيروا عليه، فكم من عبد تخير لنفسه أمرًا كان هلاكه فيه‏!‏ اما رأيتموه سأل ربّه طَرَسُوسَ فأعطِيَها فا‏"‏سِرَ فصار نَصْرانيًا‏.‏

لوكيع في أبي يونس وحدّثني أيضًا عن سعيد بن نصير قال‏:‏ قال وكيع‏:‏ أبو يونس، ومن أبو يونس‏!‏ بَكَى حتى عَمِي، وطاف حتى أقْعِد، وصلى حتى حَدِب‏.‏

لبهز بن حكيم في وفاة زُرارة حدثني محمد بن عبيد قال‏:‏ محمد بن عبد اللّه الأنصاريّ عن بَهزْ بن حكيم قال‏:‏ صلى بنا زُرَارةُ بن أوفى الغَداةَ، فقرأ الإمامُ‏"‏فَإذَا نُقِرَ في النًاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئذٍ يَوْمٌ عَسِير عَلَى الكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ‏"‏، فخر مَغْشِيًّا عليه، فحملناه ميَتًّا‏.‏

لعمر بن عبد العزيز في الصلاة والصوم والصدقة ابن أبي الحَوَاري قال‏:‏ سمعتُ عمر بن عبد العزيز قول‏:‏ الصلاةُ تبلَغك نصفَ الطريق، والصومُ يبلّغك بابَ الملك، والصَّدَقةُ تُدْخِلك عليه‏.‏

لأبي حنيفة عن أيوب ذكر أبو حنيفة رحمه الله أيوبَ فقال‏:‏ رحمه الله - ثلاثًا - لقد قَدِم المدينةَ مرة وأنا بها، فقلت‏:‏ لأقعُدنّ له، لعلي أتعلق عليه بسَقْطة، فقام من القبر مَقامًا ما ذكرتُه قط إلا اقشعرّ جِلْدي‏.‏

بين الحجاج وأعرابي روى ابن عيّاش عن سعيد بن أبي عَرُوبَةَ قال‏:‏ حجّ الحجاج فنزل بعضَ المِياه ودعاء بالغَدَاء، فقال لحاجبه‏:‏ انظر من يَتَغدى معي وأسألُه عن بعض الأمر؛ فنظر الحاجبُ فإذا هو بأعرابيٍّ بين شَمْلتين من شَعَرٍ نائم، فضربه برجليه وقال‏:‏ ائت الأميرَ فأتاه؛ فقال له الحجاج‏:‏ اغسِلْ يدك وتَغَذَ معي‏.‏ قال‏:‏ إنه دعاني مَنْ هو خيرٌ منك فأجبته؛ فقال له الحجاج‏:‏ من الذي دعاك‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ اللهّ تعالى دعاني إلى الصوم فصُمت‏.‏ قال‏:‏ في هذا اليوم الحارّ‏!‏ قال‏:‏ نعم صُمتُ ليوم أحرَّ منه؛ قال‏:‏ فأفطِر وتصوم غدًا؛ قال‏:‏ إن ضمنتَ لي البقاءَ إلى غد؛ قال‏:‏ ليس ذاك إلي؛ قال‏:‏ فكيف تسألني عاجلًا بآجل لا تقدر عليه‏!‏ قال‏:‏ إنه طعامٌ طيب؛ قال‏:‏ إنك لم تُطَيبه ولا الخبًاز، ولكن طيّبته العافية‏.‏

لأعرابي أعتق جارية لوجه الله تعالى ونحو هذا حدّث الأصمعي عن شَبيب بن شيبة قال‏:‏ كنا في طريق مكة فجاء أعرابيٌّ في يوم صائفٍ شديدِ الحرّ ومعه جاريةٌ سوداء وصحيفة، فقال‏:‏ أفيكم كاتب‏؟‏ قلنا‏:‏ نعم؛ وحضر غداؤنا فقلنا‏:‏ لو دخلتَ وأصبتَ من الطعام‏!‏ قال‏:‏ إني صائم؛ قلنا‏:‏ في الحر وشدته وجَفَاء البادية‏!‏ فقال‏:‏ إن الدنيا كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، ولا أحِبّ أن أغْبَنَ أيامي‏.‏ ثم نبذ إلينا الصحيفة، وقال‏:‏ أكتب ولا تزيدن على ما أقول حرفًا‏:‏ هذا ما أعتق عبدُ اللّه بن عقيل الكلابي، أعتق جاريةً له سوداءَ يقال لها لؤلؤة، ابتغاءَ وجه الله تعالى وجوازِ العَقَبة، وإنه لا سبيلَ له عليها إلا سبيلَ الوَلَاء، المِنةُ لله عليها وعليه واحدة‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ فحدثت بها الرشيدَ، فأمر أن يُعتَقَ عنه ألفُ نَسَمةٍ أو مائةُ نسمة، ويُكتَبَ لهم هذا الكتاب‏.‏

لخالد بن صفوان قال خالد بن صَفْوان‏:‏ بِتُ أتَمَنّى ليلتي كلها، فكَبَستُ البحر الأخضرَ بالذهب الأحمر، فإذا الذي يَكفيني من ذاك رغيفان وكُوزان وطِمْران‏!‏ بين رجل وآخر من ولد معاوية رأى رجل رجلًا من وَلَد مُعاوية يعمَل على بعيرٍ له، فقال‏:‏ هذا بعد ما كنتم فيه من الدنيا فقال‏:‏ رحمك الله، ما فَقَدْنا إلا الفضولَ‏.‏

لبعض العباد في علامة التوبة سمعتُ بعضَ العباد يقول‏:‏ علامةُ التَوبة الخروجُ من الجهل، والندَمُ على الذنب، والتَجافي عن الشهوة، واعتقادُ مَقْتِ نفسك المسؤَلة، وإخراجُ المَظلمة، وإصلاحُ الكَسْرة، وتركُ الكذب وقطعُ الغِيبة، والانتهاءُ عن خِدْن السوْء‏.‏

بين زاهدين لَقِي زاهد زاهدًا فقال له‏:‏ يا أخي، إني لأحبّك في اللّه؛ قال الآخر‏:‏ لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتَني في الله‏.‏ قال له الأول‏:‏ لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك، لكان لي فيما أعلم من نفسي شُغْل عن بُغْضك‏.‏

للثوري كان الثًوريّ مستخفيًّا بالبَصْرة، فورد عليه كتاب من أهله، وفيه‏:‏ ‏"‏قد بَلَغ بنا الجَهْد إلى أن نأخُذَ النَّوَى فنرُضَّه ثم نخلِطَه مع التبن فنأكلَه‏!‏‏.‏ فحرّك ذلك من قلبه، ورَمَى بالكتاب إلى أخ له؛ فقرأه فدمَعتْ عينُه، ثم قال‏:‏ يا أبا عبد الله‏.‏، لو أنك حدّثتَ الناس اتسَعت واتسع هؤلاء؛ فأطرق مَليًا ثم رفع رأسَه وقال‏:‏ اسمعْ حديثًا أحدثكَ به ثم لا أكلَمك بعده سنة‏:‏ رُئيَ نُورٌ في الجنة تَجدد فقيل‏:‏ ما هذا النور‏.‏ فقيل‏:‏ حَوْراءُ ضَحِكتْ في وجه زوجها فبعدَتْ ثناياها، فَتَرى لي أن أغرر بتلك وأصيرَ إلى ما تقول‏.‏

بين قوم مسافرين وراهب أراد قوم سفرًا فحادوا عن الطريق وانتَهْوا إلى راهبٍ منفردٍ في ناحية، فنادوْه فأشرف عليهم، فقالوا‏:‏ إنا قد ضَلَلْنا فكيف الطريقُ‏؟‏ قال لهم‏:‏ هاهنا‏.‏ وأومأ إلى السماء، فعلِموا الذي أراد، قالوا‏:‏ إنا سائلوك، أفتُجِيبنا أنت‏.‏ قال‏:‏ سَلوا ولا تُكثروا، فإنّ النهار لن يرجِع والعمرَ لن يعود والطالبَ حثيثٌ في طلبه ذو اجتهاد؛ قالوا‏:‏ ما الخلقُ عليه غدًا عند مليكهم‏.‏ فقال‏:‏ على نِيّاتهم‏.‏ فقالوا‏:‏ فإلامَ الموئلُ‏؟‏ قال‏:‏ إلى المُقَدَم، قالوا‏:‏ أوصِنا‏.‏ قال‏:‏ تَزَودوا على قدر سفركم، فإنّ خيرَ الزاد ما بَلَّغَ المَحل‏.‏ ثم أرشدهم إلى المَحَجًة وانقمع‏.‏

بين راهب ورجل طلب منه أن يعظه وقال آخر‏:‏ قلت لراهب‏:‏ عِظْني عِظَةً نافعة؛ فقال‏:‏ جميعُ المواعظ منتظمةٌ في حرف واحدة قلت‏:‏ ما هو‏.‏ قال‏:‏ تُجمِعُ على طاعته، فإذا أنت قد حَويتَ المواعظ والأذكار‏.‏

لأعرابي معه ماضية الأصمعيّ‏:‏ قيل لأعرابيٍّ معه ماشية‏:‏ لمن هذه الماشية‏؟‏ قال‏:‏ لله عندي‏.‏

لابن السماك كان ابن السماك يقول في كلامه‏:‏ لقد أمهلكم حتى كأنه أهملكم، أمّا تستحيُون من اللّه من طوال ما لا تستحيُون‏!‏ لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد الله‏:‏ اجتهدوا في العَمَل، فإنْ قَصَر بكم ضعفٌ فكُفُوا عن المعاصي‏.‏

لمالك بن دينار كان مالك بن دينار يقول في قَصَصه‏:‏ ما أشَدً فِطَام الكبير وُينشد‏:‏

وتَرُوضُ عِرْسَك بعد ما هَرِمَتْ *** ومن العَناءِ رياضةُ الـهَـرِم

شعر لأعرابي تاب عن سرقة الإبل كان أعرابي يسرِق الإبلَ يُسَمَى يزيدَ، ثم تاب وقال‏:‏

ألَا قُلْ لرُعْيان المَخَائِض أهملُوا *** فقد تاب مما تعلـمـون يزيد

وإنً امرًا ينجو من النار بعد ما *** تَزَود من أعمالها لـسـعـيدُ

شعر لنصيح الأسدي وقال نصيح الأسديّ‏:‏

كفى نَطَفًا بالمـرء يا أم صـالـح *** ركوبُ المعاصي عامدًا واحتقارها

ولخالد بن معدان كان خالد بن معدان يقول‏:‏

إذا أنتَ لم تزرَعْ وأبصرتَ حاصدًا *** ندمتَ على التفريطِ فـي زمـن

لمنصور بن عمار قال منصور بن عَمّار‏:‏ ما أرى إساءةً تبهبُرُ عن عفو الله فلا تأيَس، وربما أخذ اللّه على الصغير فلا تأمن‏.‏

للنبي صلى الله عليه وسلم ورَوى وَكيع عن إبراهيم بن إسماعيل عن عُتَيبة بن سِمْعان عن مُسَيْكَة عن عائشة رضي الله عنها أنها أتتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم بصَحْفة فيها خبزُ شعيرٍ وقطعةٌ من الكَرِش، فقالت‏:‏ يا رسول الله، ذَبَحنا اليوم شاةً فما أمسكنا منها إلا هذا؛ قال‏:‏ ‏"‏بل كلها أمسكتم إلا هذا‏"‏‏.‏ استقبل عامرَ بن عبد قيس رجل في يوم حَلْبة، فقال‏:‏ من سَبَق يا شيخ‏.‏ فقال‏:‏ المقربون‏.‏

وأتي به عثمان وأقعِد في دهليزه، فلما خرج رأى شيخًا يطا في عباءة، فأنكر مكانه، فقال أعرابي‏:‏ أين ربُّك‏؟‏ قال‏:‏ بالمِرْصاد‏.‏

بين سليمان بن عبد الملك وأبي حازم

قال سليمان بن عبد الملك لأبي خازم‏:‏ ما بالُنا نَكرَه الموت‏؟‏ قال‏:‏ لأنكم عَمّرتم الدنيا وأخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العُمْران إلى الخراب‏.‏

للحسن قال الحسن‏:‏ نِعَمُ الله أكثرُ من أن تُشْكَر إلا ما أعانَ عليه، وذنوبُ ابن آدم أكثرُ من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه‏.‏

وقال الحسن‏:‏ تنفق دِينَك في شَهْوتك سَرَفًا، وتمنَعُ في حق الله درهما، ستعلَم بالُكَعُ‏.‏

للمسيح عليه السلام خرج المسيح من بيت مُومسةٍ، فقيل له‏:‏ يا رُوح الله، ما تصنَع عند هذه‏.‏ فقال‏:‏ إنما يأتي الطبيبُ إلى المَرْضى‏.‏

ومر بقوم شَتَموه فقال خيرًا، ومر بآخرين شتمون فقال خيرًا؛ة فقال رجل من الحوارِيين‏:‏ كلما زادوك شرًا زِدت خيرًا، كأنك تُغْريهم بنفسك‏!‏ فقال‏:‏ كل إنسان يُعطِي مما عنده‏.‏

بين أبي حازم وسليمان بن عبد الملك أخبر أبو حازم سليمانَ بن عبد الملك بوعيد الله للمذنبين؛ فقال سليمانُ‏:‏ فأين رحمةُ اللّه‏؟‏ قال‏:‏ قريبٌ من المحسنين‏.‏

بين محمد بن كعب وعمر بن عبد العزيز قال عمرُ بن عبد العزيز لمحمد بن كعب‏:‏ عِظْني؛ فقال‏:‏ لا أرضَى نفسي لك، إني لأصلي بين الغني والفقير، فأمِيل على الفقير واوسَع للغني‏.‏

نظرت امرأة إلى أخرى وحولَها عشرة من وَلَدها كأنهم الصقور، فقالت‏:‏ لقد وَلَدَتْ أمّكم حزنًا طويلًا‏.‏

بين فتى يحتضر ووالديه احتُضِر فتًى كان فيه زهوٌ، فَرفَع رأسَه فإذا أبواه يَبكيان، فقال لهما‏:‏ ما يُبكيكما‏؟‏ قالا‏:‏ الخوفُ عليك لإسرافك على نفسك؛ فقال‏:‏ لا تَبْكيا، فواللّه ما يَسُرُّني أن الذي بيد الله من الرحمة بأيديكما‏.‏

لعلي بن أبي طالب قال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهَه‏:‏ يا بن آدم لا تحمِلْ همً يومك الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، فإنْ يكُ من أجلك يأتِ فيه رزقُك، واعلم أنك لا تكسِبُ من المال شيئًا فوق قُوتك إلا كنت فيه خازنًا لغيرك‏.‏

شعر للنابغة قال النابغةُ في نحوه‏:‏

ولست بحابس لغدٍ طعامًا *** جذار غدٍ لكل غدٍ طعام

بين حذيفة وسلمان تذاكر حُذَيْفة وسَلْمان أمرَ الدنيا، فقال سَلْمان‏:‏ ومن أعجب ما تذاكَرْنا صعودُ غُنَيماتْ الغامدي سريرَ كِسْرَى، وكان أعرابي من غامدٍ يَرْعَى شُويهاتٍ له، فإذا كان الليلُ صَيرها إلى عرصة إيوان كسرى، وفي العرصه سريرُ رُخامٍ كان يجلِس عليه كسرى، فتَصْعَد غُنَيمات الغامدي ذلك السرير‏.‏

بين أبي حازم والشيطان دخل أبو حازم المسجدَ فوَسْوَس إليه الشيطانُ‏:‏ إنك قد أحدثتَ بعد وُضُوئك‏.‏ فقال‏:‏ وقد بَلَغ هذا من نصحك‏.‏

للزبير قال الزبير‏:‏ يكفينا من خضمكم القضم، ومن نَضَكم العَنَقُ‏.‏

بين أم الدرداء ورجل قال رجل لأم الدرداء‏:‏ إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، أجد قَسْوةً شديدة وأملًا بعيدًا، قالت‏:‏ إِطًلع في القبور واشهَدِ الموتى‏.‏

للربيع بين خيثم قيل للربيع بن خَيْثَم‏:‏ لو أرحتَ نفسكَ‏!‏ قال‏:‏ راحتَها أريد‏.‏

لبعض الصالحين قال رجل من الصالحين‏:‏ لو أنزل الله كتابًا أنه معذَب رجلًا واحدًا لخِفتُ أن أكونَه، أو أنه راحم واحدًا لرجوتُ أن أكونه، أو أنه مُعَذَبي لا محالةَ ما ازددتُ إلا اجتهادًا لئلا أرجِعَ على نفسي بلائمة‏.‏

لعوف بن أى جميله أثنى قومٌ على عوف بن أبي جِميلة، فقال لهم‏:‏ دَعُونا من الثناء، وأمِدُونا بالدعاء‏.‏

لبعض العباد في صفة شر الناس قيل لبعض العُباد‏:‏ ضنْ شَر الناس، قال‏:‏ من لا يُبالي أن يراه الناسُ مسيئًا‏.‏

للمِسور بن مخرمة قال المِسور بن مَخْرَمة‏:‏ لقد وارت الأرضُ أقوامًا لو رأوني معكم لاستحييتُ منهم‏.‏

لعلي بن أبي طالب قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه‏:‏ عجبتُ لمن يَهْلِك والنجاة معه‏.‏ قيل‏:‏ وما هي‏.‏ قال‏:‏ الاستغفار‏.‏

بين سفيان الثوري وفتى يجالسه كان فتًى يُجالس سُفْيان الثوريَ ولا يتكلمّ، وكان سفيان يحب أن يتكلم ليسمع كلامه، فمرّ به يومًا فقال‏:‏ له‏:‏ يا فتى، إن مَنْ كان قبلَنا مروا على خيل وبَقِينا على حمير دَبِرة‏.‏ فقال الفتى‏:‏ يا أبا عبد الله، إنْ كنّا على الطريق فما أسرعَ لحُوقَنا بالقوم‏!‏ للحسن قال الحسن‏:‏ إن خَفَق النعالُ خلف الرجال قلّ ما تَلْبَث الحمْقى‏.‏

وذُكِر عنده الذين يلبَسون الصوفَ، فقال‏:‏ ما لهم تفاقدوا‏!‏ - ثلاثًا - أكَنُوا الكِبْرَ في قلوبهم وأظهروا التواضُعَ في لباسهم، والله لأحدُهم أشدُّ عُجْبًا بِكسائه من صاحب المِطرفَ بمطرفه‏.‏ ودخل عليه رجلٌ فوجد عنده ريح قدْرٍ طَيبة، فقال‏:‏ يا أبا سعيد، إنّ قدْرَك لطيبة؛ قال‏:‏ نعم لا رغيفي مالك وصحناه فرقد‏.‏

بين أيوب وأبي قلابة وقد هرب من تولي القضاء طُلِب أبو قِلَابة للقضاء فلَحِق بالشام هَرَبًا، فأقام حينًا ثم قَدِم البَصْرة؛ قال أيوب‏:‏ فقلت له‏:‏ لو أنك وَليتَ القضاءَ وعَدَلتَ بين الناس رَجَوتُ لك في ذلك أجرًا؛ قال لي‏:‏ يا أيوب، إذا وَقَع السابح في البحر فكم عسى أن يَسْبَح‏!‏ بين أبي حازم وامرأة قالت امرأة أبي حازم يومًا له‏:‏ يا أبا حازم، هذا الشتاء قد هَجَم ولا بدّ لنا مما يُصلحنا فيه‏.‏ فذكرتِ الثيابَ والطعامَ والحَطَب؛ فقال‏:‏ من هذا كله بُدٌ، ولكن خُذي ما لا بدّ منه‏:‏ الموتَ ثم البعثَ ثم الوقوفَ بين يَدَي الله تعالى ثم الجنةَ أو النارَ‏.‏

شعر لأبي العتاهية قال أبو العَتَاهِية‏:‏

أطع اللّه بجُـهْـدِكْ *** عامدًا أو دون جهدكْ

أعطِ مولاك كما تط *** لب من طاعة عبدِكْ

وقال أيضًا‏:‏

أرى اناسًا بأدنى الذَين قد قَـنِـعـوا *** ولا أراهم رَضُوا في العيش بالـدون

فاستغْنِ بالدِّين عن دُنيا الملوكِ كما اس *** تغنى الملوكً بدنياهـم عـن الـدين

شعر لمحمد بن حازم وقال محمد بن حازم‏:‏

ما الفقرُ عارٌ ولا الغِنَى شرفُ *** ولا سَخَاء في طاعةٍ سَـرَفُ

ما لَكَ إلا شـيءٌ تُـقَـدَمُـه *** وكل شيء أخّرتَـه تَـلَـفُ

تَرْكُـكَ مـالًا لـوارثٍ يتـه *** ناه وتَصْلَى بـحـرّه أسَـفُ

لأبي العتاهية وقال أبو العَتَاهِيَة‏:‏

ألا إنما التَقْوى هي العِزُ والـكَـرَمْ *** وحبُّكَ للدنيا هـو الـذُّلُّ والـنـدم

وليس على عبِدِ تـقـي نـقـيصة *** إذا صحَحَ التقوى وإن حَاكَ أو حجم

لعلي بن الحسين قال عليّ بن الحسين‏:‏ الرضا بمكروه القضاء أرفعُ درجات اليقين‏.‏

لابن سيرين قيل لابن سيرين‏:‏ ما أشَدَ الورَعَ‏!‏ قال‏:‏ ما أيسَرَه‏!‏ إذا شككتَ في شيء فدَعه بين حذيفة ورجل يخشى أن يكون منافقًا قال رجل لحُذيْفة‏:‏ أخشى أن أكونَ منافقًا‏.‏ فقال‏:‏ لو كنتَ مُنافقًا لم تخشَ‏.‏

شعر لمحمود الوراق وقال محمود الوراق‏:‏

يا ناظرًا يرنُو بـعـينَـيْ راقـدٍ *** ومُشاهِدًا للأمر غيرَ مشـاهـدِ

تصل الذنوبَ إلى الذنوبِ وترتجي *** دَرَكَ الجِنَانِ بها وفوزَ العـابِـد

ونسيت أن الـلـه أخـرج آدمـًا *** منها إلى الدنيا بـذنـبٍ واحـدِ

لوضْاح اليمن وقال وَضَاخ اليمن‏:‏

مَا لكَ وَضاحُ دائمَ الـغَـزَل *** ألستَ تخشَى تقارُبَ الأجل

يا موتُ ما إن تزالُ معترضًا *** لآمل دون منتهـى الأمـل

تنال كَفّاك كل مُـسْـهِـلة *** وحُوت بحرٍ ومَعْقِلَ الوَعِل

صل لذي العرِش واتّخِذْ قَدَمًا *** تُنجْيك بعد العشثَار والزلَـل

ليوسف عليه السلام قيل ليوسف عليه السلام‏:‏ ما لك تجوع وأنت على خزائن الأرض‏.‏ قال‏:‏ أخاف أن أشبَع فأنسَى الجائعَ‏.‏

شعر لأمية بن أبي الصلت وقال أمية بن أبي الصَلْت‏:‏

هما طريقـان فـائز دخـلَ ال *** جنّة حفْـتْ بـه حـدائقُـهـا

وفِرقة في الجحيم مَعْ فرَقٍ الشي *** طان يَشقَى بها مُـرَافـقُـهـا

تعرِف هذا القلـوب حـقـا إذا *** همت بخير فمـا عـوائقُـهـا

وصدّها للشقاء عن طـلـب ال *** جنة دنيا والـلـه مـاحِـقُـهـا

عبدٌ دعا نفسَـهُ فـعـاتـبـهـا *** يعلم أن البصـيرَ رامـقُـهـا

اقترب الوعد والقلوبُ إلى الـل *** هو وحب الحـياة سـائقُـهـا

ما رغبةُ النفس في البقـاء وأن *** تحيا قليلًا والموتُ لاحـقُـهـا

أمَـامـهـا قـائدٌ إلـــيه ويح *** دوها حثيثـًا إلـيه سـائقـهـا

قد أيقنت أنها تصـير كـمـا *** كان يراها بالأمِس خالقـهـا

وأن ما جَمًعتْ وأعجـبـهـا *** من عيشةٍ مُرةٍ مُفـارقـهـا

مَنح لم يمُتْ عَبْطةً يمت هَرَمًا *** للموتِ كأس والمرءُ ذائقهـا

لبعض الزهاد قال بعض الزهاد‏:‏ إن صفاء الزهد في الدنيا وكمالَه ألا تأخذ من الدنيا شيئًا ولا تتركه إلا الله، فإذا كنت كذلك كان أخْذُكَ تركًا ومعاملتُك لله فيها رِبحًا، وإن صفاء الرغبة في الدنيا وكمالَها تأخذ منها شيئًا ولا تتركه إلا لها، فإذا كنت كذلك كان تركُكَ أخذًا وفوتُ ما فات عليك منها حي لرجل حبسه بعض الملوك ثم غفل عنه حَبَس بعضُ الملوك رجلًا ثم غَفَل عنه إلى أن مَضَى عليه زمان؛ فقال للموكَل به‏:‏ قل له‏:‏ إن كل يوم يمضِي من نعيمك يمضي من بؤسي، والأمرُ قريبٌ، والحَكَمُ الله عز وجل‏.‏ والسلام‏.‏